فصل: قال صاحب المنار في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [53].
{قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} أي: بحجة تدل على صحة دعواك، وذلك لقصور فهمهم، وعمى بصيرتهم عن إدراك البرهان؛ لمكان الغشاوات الطبيعية، وإذا لم يدركوه أنكروه بالضرورة: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا} أي: عبادتها: {عَن قَوْلِكَ} حال من ضمير {تاركي} أي: تركًا صادرًا عن قولك، أو {عن} للتعليل، كهي في قوله: {إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة} [التوبة: من الآية 114]، أي: لأجلها، فتتعلق {بتاركي} والأول أبلغ؛ لدلالته على كونه علة فاعلية، ولا يفيده (الباء واللام). وهذا كقولهم في الأعراف: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [الأعراف: من الآية 70].
{وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} أي: مصدقين. إقناط له من الإجابة.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ} [54- 55].
{إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ} أي: مسَّك: {بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ} أي: بجنون، لسبك إياها، وصدك عنها، وعداوتك لها، مكافأة لك منها على سوء فعلك بسوء الجزاء، ومن ثم تتكلم بما تتكلم.
قال الزمخشري: دلت أجوبتهم المتقدمة على أنهم كانوا جفاة، غلاظ الأكباد، لا يبالون بالبهت، ولا يلتفتون إلى النصح، ولا تلين شكيمتهم للرشد، وهذا الأخير دال على جهل مفرط وبله متناه، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم: {قَالَ إِنِّي أُشْهِد اللّهِ} أي: علي: {وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ} قال الزمخشري: من أعظم الآيات أن يواجه بهذا الكلام رجل واحد أمة عطاشًا إلى إراقة دمه يرمونه عن قوس واحد، وذلك لثقته بربه، وأنه يعصمه منهم، فلا تنشب فيه مخالبهم، ونحو ذلك قال نوح عليه السلام لقومه: {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} [يونس: من الآية 71].
أكد براءته من آلهتهم وشركهم ووثقها بما جرت به عادة الناس من توثيقهم الأمور بشهادة الله، وشهادة العباد، فيقول الرجل: الله شهيد على أني لا أفعل كذا، ويقول لقومه: كونوا شهداء على أني لا أفعله. ولما جاهر بالبراءة مما يعبدون، أمرهم بالاحتشاد والتعاون في إيصال الكيد إليه، عليه السلام، دون إمهال، بقوله: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا} أي: أنتم وآلهتكم: {ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ} يعني إن صح ما لوحتم به، من كون آلهتكم لها تأثير في ضر، فكونوا معها فيه، وباشروه أعجل ما تفعلون دون إمهال.
قال أبو السعود: فالفاء لتفريع الأمر على زعمهم في قدرة آلهتهم على ما قالوا، وعلى البراءة كليهما، وهذا من أعظم المعجزات، فإنه صلى الله عليه وسلم كان رجلًا مفردًا بين الجم الغفير والجمع الكثير، من عتاة عاد، الغلاظ الشداد. وقد خاطبهم بما خاطبهم، وحقرهم وآلهتهم، وهيجهم على مباشرة مبادئ المضادة والمضارة، وحثهم على التصدي لأسباب المعازّة والمعارّة، فلم يقدروا على مباشرة شيء مما كلفوه، وظهر عجزهم عن ذلك ظهورًا بينًا، كيف لا وقد التجأ إلى ركن منيع رفيع، حيث قال:
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [56]
{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم} أي: فلا تصلون إلى بسوء لتوكلي على الله: {مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} أي: مالك لها، قادر عليها، يصرفها كيف شاء.
قال القاشاني: بيَّن وجوب التوكل على الله، وكونه حصنًا حصينًا أولًا بأن ربوبيته شاملة لكل أحد، ومن يرب يدبر أمر المربوب ويحفظه، فلا حاجة له إلى كلاءة غيره وحفظه، ثم بأن كل ذي نفس تحت قهره وسلطانه، أسير في يد تصرفه ومملكته وقدرته عاجز عن الفعل والقوة والتأثير في غيره، لا حراك به بنفسه، كالميت، فلا حاجة إلى الاحتراز منه- انتهى-.
والناصية: منبت الشعر من مقدم الرأس، وتطلق على الشعر النابت فيها أيضًا، تسمية للحال باسم المحل، يقال: نصوت الرجل: أخذت بناصيته.
وفي العناية: وقولهم: ناصيته بيده، أي: منقاد له. والأخذ بالناصية عبارة عن القدرة والتسلط، مجازًا أو كناية.
وقوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} تعليل لما يدل عليه التوكل، من عدم قدرتهم على إضراره، أي: هو على طريق الحق والعدل في ملكه، فلا يسلطكم علي، إذ لا يضيع عنده معتصم به، ولا يفوته ظلم.
قال في العناية: هو تمثيل واستعارة؛ لأنه مطلع على أمور العباد، مجاز لهم بالثواب والعقاب، كاف لمن اعتصم، كمن وقف على الجادة فحفظها، ودفع ضرر السابلة بها.
وهو كقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] والاقتصار على إضافة الرب إلى نفسه، إما بطريق الاكتفاء لظهور المراد، وإما للإشارة إلى أن اللطف والإعانة مخصوصة به دونهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [57]
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي: تتولوا، بحذف إحدى التاءين: {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} أي: فقامت الحجة عليكم: {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ} استئناف بالوعيد لهم. أي: فيهلكهم، ويجيء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم: {وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} أي: بتوليكم؛ لاستحالته عليه، بل تضرون أنفسكم. أو بذهابكم وهلاككم لا ينقص من ملكه شيء: {إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} أي: رقيب عليه مهيمن، فلا تخفى عليه أعمالكم، فيجازيكم بحسبها، أو حافظ حاكم مستول على كل شيء، فلا يمكن أن يضره شيء.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [58].
{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} أي: عذابنا، أو أمرنا بالعذاب، وهو الريح العقيم: {نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} وقد بين في غير آية، منها قوله: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 6- 7].
فإن قلت: ما معنى تكرير التنجية؟ فالجواب: لا تكرير فيه؛ لأن الأول إخبار بأن نجاتهم برحمة الله وفضله، والثاني بيان ما نجوا منه، وأنه أمر شديد عظيم لا سهل، فهو للامتنان عليهم، وتحريض لهم على الإيمان. أو الأول إنجاء من عذاب الدنيا، والثاني من عذاب الآخرة، تعريضًا بأن المهلكين كما عذبوا في الدنيا بالسموم فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الغليظ. ويرجح الأول بملاءمته لمقتضى المقام.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [59].
{وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} تأنيث اسم الإشارة باعتبار القبيلة. وصيغة البعيد لتحقيرهم، أو لتنزيلهم منزلة البعيد؛ لعدمهم. وإذا كانت الإشارة لمصارعهم، فهي للبعيد المحسوس، وتعدى الجحود بالباء حملًا له على الكفر؛ لأنه المراد. أو بتضمينه معناه، كما أن (كفر) جرى مجرى (جحد). فتعدى بنفسه في قوله: {كَفَرُوا رَبَّهُمْ} [هود: 60]. وقيل: (كفر) كـ: (شكر) يتعدى بنفسه وبالحرف. وظاهر كلام القاموس: أن (جحد) كذلك.
والمعنى: كفروا بالله، وأنكروا آياته التي في الأنفس والآفاق الدالة على وحدانيته. وجمع (الرسل) مع أنه لم يرسل إليهم غير هود عليه الصلاة والسلام؛ تفظيعًا لحالهم، وإظهارًا لكمال كفرهم وعنادهم، ببيان أن عصيانهم له عليه الصلاة والسلام عصيان لجميع الرسل السابقين واللاحقين؛ لاتفاق كلمتهم على التوحيد: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: من الآية 285] كذا في العناية وأبي السعود.
{وَاتَّبَعُواْ} أي: أطاعوا في الشرك: {أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} لا يستدل بدليل، ولا يقبله من غيره. يريد: رؤساءهم وكبراءهم، ودعاتهم إلى تكذيب الرسل.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} [60].
{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: جعلت تابعة لهم في الدارين، أي: لازمة.
قال أبو السعود: والتعبير عن ذلك بالتبعية للمبالغة، فكأنها لا تفارقهم، وإن ذهبوا كل مذهب، بل تدور معهم حيثما داروا. ولوقوعه في صحبة إتباعهم رؤساءهم. يعني: أنهم لما اتبعوهم أُتبعوا ذلك جزاء وفاقًا.
{أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ} إذ عبدوا غيره- وتقدم تعدية (كفر)-: {أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} دعا عليهم بالهلاك أو باللعنة، وفيه من الإشعار بالسخط عليهم والمقت ما لا يخفى فظاعته. وتكرير حرف التنبيه وإعادة {عاد} للمبالغة في تهويل حالهم، والحث على الاعتبار بنبئهم. و{قوم هود} عطف بيان لـ {عاد} فائدته النسبة بذكره عليه السلام، الذي إنما استحقوا الهلاك بسببه، كأنه قيل: عاد قوم هود الذين كذبوه. وتناسب الآي بذلك أيضًا، فإن قبلها: {وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [هود: من الآية 59]. وقبل ذلك {حفيظ} و{غليظ}، وغير ذلك مما هو على وزن (فعيل) المناسب لـ (فعول) في القوافي- والله أعلم-. اهـ.

.قال صاحب المنار في الآيات السابقة:

.قِصَّةُ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

تَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ فِي ثَمَانِي آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَهِيَ هُنَا فِي إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا سِيَاقٌ وَأُسْلُوبٌ وَنَظْمٌ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعِبْرَةِ وَالْمَوْعِظَةِ مَا لَيْسَ فِي الْأُخْرَى، وَسَتَأْتِي فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ بِأُسْلُوبٍ وَنَظْمٍ وَسِيَاقٍ آخَرَ، وَكَذَا فِي سُورَتَيِ: (الْمُؤْمِنُونَ) و(الْأَحْقَافِ) بِدُونِ ذِكْرِ اسْمِهِ عليه السلام، وَذُكِرَ عِقَابُ قَوْمِهِ (عَادٍ) فِي سُوَرِ: فُصِّلَتْ وَالذَّارِيَاتِ وَالْقَمَرِ وَالْحَاقَّةِ وَالْفَجْرِ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِهَا مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمَأْثُورَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ هُودًا أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَهُوَ أَوَّلُ رَسُولٍ لِأَوَّلِ أُمَّةٍ مِنْ وَلَدِ سَامِ بْنِ نُوحٍ الْأَبِ الثَّانِي لِلْبَشَرِ، وَبِهَذَا يَكُونُ أَوَّلُ رَسُولٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ عَرَبِيًّا، وَآخِرُ رَسُولٍ وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ عَرَبِيًّا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}.
هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي تَبْلِيغِ هُودٍ عليه السلام قَوْمَهُ دَعْوَةَ رَبِّهِ.
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} (25) أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَادٍ الْأُولَى أَخَاهُمْ فِي النَّسَبِ وَالْقَوْمِيَّةِ هُودًا {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ} وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} فَإِنَّ الْإِلَهَ الْحَقَّ لِلنَّاسِ رَبُّهُمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَيُرَبِّيهِمْ بِنِعَمِهِ، وَهُوَ وَاحِدٌ بِاعْتِرَافِكُمْ {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} أَيْ: مَا أَنْتُمْ فِي عِبَادَةِ غَيْرِهِ {إِلَّا مُفْتَرُونَ} كَذِبًا عَلَيْهِ بِاتِّخَاذِ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْلِيَاءِ شُرَكَاءَ، وَتَسْمِيَتِهِمْ شُفَعَاءَ، تَتَقَرَّبُونَ بِهِمْ أَوْ بِقُبُورِهِمْ أَوْ بِصُوَرِهِمْ وَتَمَاثِيلِهِمْ إِلَيْهِ، وَتَرْجُونَ النَّفْعَ وَكَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ بِجَاهِهِمْ عِنْدَهُ.
{يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} تَقَدَّمَ مِثْلُهُ آنِفًا فِي قِصَّةِ نُوحٍ، وَالْمُرَادُ: إِنِّي نَاصِحٌ مُخْلِصٌ أَمِينٌ فِي هَذَا الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، لَا أَسْأَلُكُمْ أَجْرًا فَتَتَّهِمُونِي بِطَلَبِ الْمَنْفَعَةِ لِنَفْسِي {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} أَيْ: مَا أَجْرِي الَّذِي أَرْجُوهُ عَلَى تَبْلِيغِكُمْ إِيَّاهُ إِلَّا عَلَى اللهِ الَّذِي خَلَقَنِي عَلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ الْوَثَنِيَّةِ، الَّتِي ابْتَدَعَهَا قَوْمُ نُوحٍ بِتَصْوِيرِ الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ لِحِفْظِ ذِكْرَاهُمْ، فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ تَعْظِيمَ صُوَرِهِمْ وَتَمَاثِيلِهِمْ فَعِبَادَتَهَا كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} مَا يُقَالُ لَكُمْ فَتُمَيِّزُوا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالنَّافِعِ وَالضَّارِّ، وَأَنَّ الْأَخَ لَا يَغُشُّ إِخْوَتَهُ، وَلَا يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِغَضَبِ قَوْمِهِ بِدَعْوَتِهِمْ إِلَى مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُ.
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} تَقَدَّمَ هَذَا الْأَمْرُ بِلَفْظِهِ فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} هَذَا الْجَزَاءُ الْأَوَّلُ لِلْأَمْرِ قَبْلَهُ، وَالسَّمَاءُ هُنَا الْمَطَرُ أَوِ السَّحَابُ الْمُمْطِرُ، وَإِرْسَالُهُ إِمْطَارُهُ، وَالْمِدْرَارُ الْكَثِيرُ الدُّرُورِ، وَأَصْلُهُ كَثْرَةُ دَرِّ اللَّبَنِ، يُقَالُ: دَرَّتِ الشَّاةُ تَدَرْدُرًا وَدُرُورًا فَهِيَ دَارٌّ (بِغَيْرِ هَاءٍ). أَيْ كَثُرَ فَيْضُ لَبَنِهَا، وَلَعَلَّ نُكْتَةَ التَّعْبِيرِ بِهِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْكَثْرَةِ النَّافِعَةِ؛ فَإِنَّ بَعْضَهُ قَدْ يَكُونُ ضَارًّا وَقَدْ يَكُونُ عَذَابًا، وَكَانَتْ بِلَادُهُمُ الْأَحْقَافُ (جَمْعُ حِقْفٍ وَهُوَ الرَّمْلُ الْمَائِلُ) شَدِيدَةَ الْحَاجَةِ إِلَى الْمَطَرِ لِزَرْعِهَا وَشَجَرِهَا؛ لِأَنَّ الرَّمْلَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْجَفَافُ إِذَا قَلَّ الْمَطَرُ، وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ اللهَ أَمْسَكَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ الثَّلَاثَ سِنِينَ فَأَجْدَبَتْ بِلَادُهُمْ وَقَحَطَتْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَلَكِنْ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إِلَى الْمَطَرِ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَادِرَةَ الْعَذَابِ الَّذِي أُنْذِرُوا بِهِ اسْتَبْشَرُوا إِذْ ظَنُّوا أَنَّهُ سَحَابٌ يُمْطِرُهُمْ، قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} (46: 24 و25)، {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} هَذَا الْجَزَاءُ الثَّانِي لِلْأَمْرِ، وَهُوَ مِمَّا كَانُوا يَطْلُبُونَهُ وَيُعْنَوْنَ بِهِ وَيَفْخَرُونَ عَلَى النَّاسِ، إِذْ كَانُوا قَدْ بُسِطَ لَهُمْ فِي الْأَجْسَامِ وَأُعْطُوا الْقُوَّةَ فِيهَا كَمَا تَرَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ} (41: 15 و16) وَقَوْلِهِ: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} (26: 130) فَيَا لَيْتَ دُوَلَ أُورُبَّةَ الْمُسْتَكْبِرَةَ بِقُوَّتِهَا الَّتِي يُهَدِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا تَعْتَبِرُ بِهَذَا. وَإِنِّي وَهُمْ أَشَدُّ مِنْ قَوْمِ عَادٍ كُنُوزًا؟ {وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} أَيْ لَا تَنْصَرِفُوا مُعْرِضِينَ عَمَّا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِنِعْمَةِ الْمَعِيشَةِ وَسَعَةِ الرِّزْقِ وَزِيَادَةِ الْقُوَّةِ وَهِيَ جَزَاءُ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى الْحَقِّ.
{قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِي إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}.
هَذِهِ الْآيَاتُ الْخَمْسُ فِي رَدِّ قَوْمِهِ لِلدَّعْوَةِ وَجُحُودِهِمْ لِلْبَيِّنَةِ، وَحُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ وَإِنْذَارِهِ لَهُمْ.
{قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} أَيْ بِحُجَّةٍ نَاهِضَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} أَيْ وَمَا نَحْنُ بِالَّذِينِ نَتْرُكُ عِبَادَةَ آلِهَتِنَا صَادِرِينَ عَنْ قَوْلِكَ، أَوْ تَرْكًا صَادِرًا عَنْ قَوْلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكَ وَأَنْتَ بَشَرٌ مِثْلُنَا {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} أَيْ وَمَا نَحْنُ بِمُتَّبِعِينَ لَكَ اتِّبَاعَ إِيمَانٍ وَتَصْدِيقٍ بِرِسَالَتِكَ الَّتِي لَا بَيِّنَةَ لَكَ عَلَيْهَا، وَمَا قَوْلُهُمْ هَذَا إِلَّا جُحُودٌ وَعِنَادٌ، فَإِنَّ حُجَّتَهُ عليه السلام مُوَافِقَةٌ لِلْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ.
{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} أَيْ: مَا نَجِدُ مِنْ قَوْلٍ نَقُولُهُ فِيكَ إِلَّا أَنَّ بَعْضَ آلِهَتِنَا أَصَابَكَ بِجُنُونٍ أَوْ خَبَلٍ- وَهُوَ الْهَوَجُ وَالْبَلَهُ- لِإِنْكَارِكَ لَهَا وَصَدِّكَ إِيَّانَا عَنْهَا {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ} هَذَا بَدْءُ جَوَابٍ يَتَضَمَّنُ عِدَّةَ مَسَائِلَ: الْأُولَى: الْبَرَاءَةُ مِنْ شِرْكِهِمْ أَوْ شُرَكَائِهِمُ الَّتِي افْتَرَوْهَا وَلَا حَقِيقَةَ لَهَا. الثانية: إِشْهَادُ اللهِ عَلَى ذَلِكَ لِثِقَتِهِ بِأَنَّهُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ فِيهِ- وَإِشْهَادُهُ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِ أَيْضًا لِإِعْلَامِهِمْ بِعَدَمِ مُبَالَاتِهِ بِهِمْ وَبِمَا يَزْعُمُونَ مِنْ قُدْرَةِ شُرَكَائِهِمْ عَلَى إِيذَائِهِ. (الثَّالِثَةُ): قَوْلُهُ: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} أَيْ فَأَجْمِعُوا أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ مَا تَسْتَطِيعُونَ مِنَ الْكَيْدِ لِلْإِيقَاعِ بِي ثُمَّ لَا تُمْهِلُونِي، وَلَا تُؤَخِّرُوا الْفَتْكَ بِي إِنِ اسْتَطَعْتُمْ، أَيْ أَنَّهُ لَا يَخَافُهُمْ وَلَا يَخَافُ آلِهَتَهُمْ. وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي تَلْقِينِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ تَقْرِيرِ عَجْزِ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ: {قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ} (7: 195) وَمِثْلُهُ حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ فِي سُورَةِ يُونُسَ: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} 10: 71 وَقَدْ قَدَّمَ نُوحٌ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ تَوَكُّلَهُ عَلَى اللهِ- تَعَالَى-، وَأَخَّرَهُ هُودٌ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ (الرَّابِعَةُ).
{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} هَذَا احْتِجَاجٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ مِنْ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنْهُمْ وَمِنْ آلِهَتِهِمْ، يَقُولُ: إِنِّي وَكَّلْتُ أَمْرَ حِفْظِي وَخِذْلَانِكُمْ إِلَى اللهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَحْدَهُ إِذْ هُوَ رُبِّيَ وَرَبُّكُمْ، أَيْ: مَالِكُ أَمْرِي وَأُمُورِكُمُ، الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {مَا مِنْ دَابَّةٍ} تَدِبُّ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ {إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} أَيْ: مُسَخِّرُهَا وَمُتَصَرِّفٌ فِيهَا، وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَخْذِ بِالنَّاصِيَةِ- وَهُوَ مُقَدَّمُ شَعْرِ الرَّأْسِ- تَمْثِيلٌ لِتَصَرُّفِ الْقَهْرِ وَالْخُضُوعِ الَّذِي لَا مَهْرَبَ مِنْهُ وَلَا مَفَرَّ، وَتَقَدَّمَتِ الْجُمْلَةُ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ السَّادِسَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ سُورَةِ الْعَلَقِ: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْعَفًا بِالنَّاصِيَةِ} (96: 15) أَيْ: لَنَأْخُذَنَّ بِهَا أَخْذَ الْقَاهِرِ الْمُؤَدِّبِ. قَالَ فِي الْأَسَاسِ: وَسَفَعَ بِنَاصِيَةِ الْفَرَسِ لِيُلْجِمَهُ أَوْ يَرْكَبَهُ، وَسَفَعَ بِنَاصِيَةِ الرَّجُلِ لِيَلْطِمَهُ وَيُؤَدِّبَهُ. اهـ.